ثم ينقل نقلاً، وهذا قد نقله الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح، وكذلك نقله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، وهذا من أقدم ما ورد عن السلف في التفريق بينهما.
قال الزهري : الإسلام الكلمة، والإيمان العمل.
وقد جاءت هذه الكلمة من الزهري رحمه الله في آخر حديث سعد بن أبي وقاص الذي تقدم ذكره، وهو في صحيح البخاري ، وذكر الحافظ رحمه الله أنه في إحدى الروايات قال الزهري بعد أن روى الحديث السابق قال: فنرى الإسلام الكلمة، والإيمان العمل.
فعلى كلامه رحمه الله يكون الإسلام هو الإقرار، ويكون الإيمان هو العمل، أي: أن تحقيق هذا الإقرار يكون بالعمل، ولا يعني هذا: أن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم كانوا يسمون الإنسان إذا أقر وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ولم يعمل؛ أنهم يسمونه مسلماً بدون أي اعتراض، فلابد من النظر إلى التلازم، فمهما اختلفت العبارات فالجميع يعلم أن التلازم بينهما لا بد منه.
فـالزهري رحمه الله هنا: يعبر عن فهمه، وهذا الفهم وافقه عليه غيره، وهو: أن الإسلام هو الإقرار، فمن أقر قيل: أسلم، ودخل في الإسلام، وأن الإيمان هو العمل، وهذا دليل على أن الإسلام مرتبة أدنى، والإيمان مرتبة أعلى، وأن التلازم بينهما وارد؛ فهو لم يفهم أن أحداً يقر ولا يعمل، فهذا الكلام من الزهري لا يترك على إطلاقه؛ خشية أن يفهم منه بعض الناس أن من السلف من يظن أن الإسلام يكفي فيه أن يقول الإنسان: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وقد ظهر هذا مع الأسف كما تعلمون، فأما المرجئة فقد أظهروا ذلك وأعلنوه، وبعض من ينتمي أيضاً إلى عقيدة أهل السنة والجماعة قد يقع في هذا الخطأ، وربما دفعهم هذا إلى القول بأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر، أي: أن الإنسان مهما ترك من الأعمال فهو يظل مسلماً ولا يكون كافراً، وهذا غير صحيح أبداً؛ لأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعوا على كفر تارك الصلاة الترك المطلق المستبين الذي يأبى صاحبه معه أن يصلي لله تبارك وتعالى، فهذه الحالة هي في الترك المطلق، وهذا التارك للصلاة تركاً مطلقاً هو أيضاً يكون تاركاً للصيام، فلو صام لا يصح منه، ويكون تاركاً لبقية الأعمال.
فهذا الذي ترك العمل كلية ولم يعمل عملاً من أعمال الإسلام قط؛ إلا أنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ويقول: أنا مسلم؛ لا يصح أن نحمل كلام الزهري عليه، ولا نقول: إنه قد جاء بالإسلام ولم يأت بالإيمان فهو مسلم! لا، فالتلازم موجود، والسلف الصالح رضي الله تعالى عنهم كلهم يعتقدون هذا التلازم، فـسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه كان يعلم ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: (أو مسلماً) لم يكن يقصد أنه فقط لديه الإقرار الظاهر وليس لديه من الإيمان شيء أبداً؛ لأنه إذا كان مسلماً فلا بد أن يكون لديه أصل الإيمان، وكذلك الزهري لما فسر الحديث بهذا، وهكذا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والسلف أجمعون.
ولهذا نجد أن شيخ الإسلام رحمه الله بعد أن ذكر هذا انتقل ليذكر الخلاف فيمن ترك الأركان الخمسة أو بعضها.